الصفحة الرئيسية  ثقافة

ثقافة هذا ما قاله الشاعر عبد الرحمان الأبنودي في حواره الأخير

نشر في  22 أفريل 2015  (13:56)

عندما شعر  عبدالرحمن الأبنودى بأن حالته الصحية تدهورت، وأن أيامه اقتربت، خص «المصرى اليوم» بحوار أطلق عليه «حوار الموت»، وطلب من الصحيفة عدم نشره إلا بعد الرحيل إلى دار الآخرة، تحدث «الخال» ودموعه متحجرة طوال الحوار، لكن لم يتمالك نفسه عندما تحدث عن «الموت» والوصية التي كتبها بخط يده.

بدأ الأبنودى حديثه عن الموت قائلاً: بالنسبة للفقراء، دائماً الموت قريب جداً، ساكن في «خد الباب» كما نقول، أي «بجوار الباب»، لذلك ينجبون كثيراً ليفرحوا بما تبقى، ويحتفون بالموت أكثر من احتفائهم بالحياة.

 ليس معنى هذا أن قلوبنا من حجر، فأنا مثلاً قريب الدمع جداً لى ولغيرى، وحتى إذا كان ثمة نبرة حزن الآن في صوتى فهى ليست لأنى سوف أغادر ولكن أعرف أناساً سوف يحزنون جداً على فراقى، وأنا مشفق عليهم، منهم أختى فاطمة، وهى أكبر منى بـ4 سنوات ومريضة، وتنتظر الموت ولا تتخيل أن أغادر قبلها، مشفق عليها جداً لأن حزنهم «عفش»، لهم حزن خاص جداً، وقد أوصيت بألا يمارسوا علىَّ كرنفالات القاهرة وعمر مكرم وغيره، فأنا بنيت مقبرتى هنا في الضبعية، وسوف أفن فيها، وأشيَّع من مسجد في الإسماعيلية، ومن أراد أن يأتى لى من القاهرة وهم قليلون، فسوف يرحب بهم، ويقام عزائى هنا في القصر المنيف، وهى فرصة لكى يرى من لم ير من الأصدقاء الأبعدية التي أعيش فيها، وأوصيت بكل شىء، المهم في كل هذا هو الرحلة، يعنى أنا مازلت أتعجب من شجاعة أمل دنقل في مواجهته للموت وتحويله إلى معادلة عقلية، ولكن الأمر عندى إنسانى أكثر.

 بالنسبة لبنتىَّ أظن أننى مهدت لهما استقبال الأمر، إحداهما اتصلت وقالت لى إن والد زميلتها توفى والمجموعة «الأصدقاء» رايحين يجلسوا مع صديقتهم... علشان يردوا لها الجميل بعد وفاتى. وبالرغم من حديث الخال الأبنودى عن الموت كثيراً إلا أنه كتب بخط يده وصية حصلت عليها وكتب فيها:

 «الضبعية»، وقد مر على بناء البيت ما يقرب من ربع قرن، وهو بيت تطرح أرضه مودة وتشع حيطانه وروداً وعناصر حياة، وحولى جيرانى من فلاحين حقيقيين هم أصدقائى، وسيبكون على فراقى كأسرتى تماماً حين أرحل وربما أكثر.

 لقد بنيت مقبرتى على أطراف القرية «الضبعية»، ربما أغضبت القبة بعض المتزمتين، لكننى لم أحب يوماً فكرة الخروج من عمر مكرم والمشى خطوتين والوجوه التي يبحث بعضها عن بعضها، ثم اختفاء الجسد والسلام عليكم.

 لا.. قررت أن أموت وأدفن هنا في بلد غريب، وأشيع من مسجدها، وأدفن في مقبرتى.. قد يأتى بعض المحبين الحقيقيين من القاهرة أو حتى لمراقبة الأمر، لكننى سأدفن ببساطة مودعاً تلك الأحمال الثقيلة من المجاملة ولف النعش بعلم مصر وكل المشاهد التي نعرفها.

 وقد يبقى شعرى، فالناس العاديون هنا يسألون عما سيحدث بعد دفنهم، يدفنون ويتركون مشاكلهم للأحياء يتدارسونها فيعدلون أو يظلمون، ولا يضعون أي اعتبار للميت، لأنه مات.

 قلت إن العزاء سيتم في بيتى بالضبعية ليرى الجميع العزبة التي في مساحة الجزائر العاصمة، والقصر المنيف الذي وهبنى إياه مبارك.

 أما عن نهال كمال «وآية ونور» فلولا أن الله يحبنى بقوة لما وهبنى هذه السعادة التي يحاصرنى بها، ولقد عشنا سعداء على قدر ما استطعنا.